غالبًا ما نرى الطّفل دون السّادسة من عمره يرمي بنفسه على الأرض ويصرخ، ويشعل المكان المتواجد فيه بنوبة غضب عارمة ومضخّمة من دون أن يعي سبب هذا الإحساس.
ولكن لهذا الفعل في الواقع سبب أساسيّ يحرّكه، وهو أنّ افتقار الطّفل إلى القدرة على التّكلّم بلغة واضحة وسليمة يمنعه من التّعبير السّليم. فتراه مثلاً يصرخ في السّوبرماركت طالبًا الشّوكولا علمًا أنّ حاجته الأساسيّة ليست الحلوى وإنّما هو الأكل لأنّه جائع، أو من الممكن أن يكون تعبيرًا عن تعبه وحاجته إلى قيلولة، أو عن حاجته للدّخول إلى الحمّام.
ولتجنّب كلّ هذه الانفعالات، على الأهل استباق هذه الحاجات وتأمينها قبل اصطحاب أطفالهم معهم إلى السّوبرماركت أو إلى زيارة ما، لأنّ الطّفل الصّغير دون السّادسة من العمر غالبًا ما يختلجه إحساس الغضب والتّوتّر عندما تكون حاجاته الأساسيّة غير مستوفاة، فالعمل على توفيرها يوفّر على الأهل والطّفل على السّواء نوبات الغضب المضخّمة هذه.
ولكن ما هي هذه الحاجات الأساسيّة؟
تصنّف الحاجات الأساسيّة للطّفل دون السّتّ سنوات في ثلاث فئات:
1- الحاجة الضّروريّة للعاطفة: أيّ التّعبير له عن الحبّ والحنان ومنحه وقتًا نوعيًّا، أقلّه 10 دقائق في اليوم، على أن يكون وجهًا لوجه، يوجّه خلاله الأهل انتباههم المطلق وغير المشروط نحو طفلهم، مكتشفين اهتماماته واللّعب معه، فيكون هذا الوقت للتّسلية والفرح معه لوحده.
مثلاً إذا كنتِ أيّتها الأمّ تطبخين فيما ولدكِ يرسم بجانبكِ وناداكِ ليريكِ رسمه، أيقني أنّه لا يمكنكِ أن تفعلي ذلك بشكل سريع، فالأمر يحتاج إلى تركيزكِ بخاصّة إذا كنتِ لم تجلسِ معه بعد عودته من الحضانة أو المدرسة، فإن لم تعطه الوقت الكافي وانشغلت بأمور البيت فأدركي أنّ غضبه سيزيد. هو بحاجة إذًا إلى حضوركِ ووالده بشكل حسّيّ وحقيقيّ، فهذا يساعده على ملء خزّانه العاطفيّ ويشعره بالأمان وبالحبّ.
إنّ إهمال الأهل هذه الحاجة باستمرار، تجعل الطّفل يقع في نوبات غضب لأجل لفت الانتباه وجعلهم يتقرّبون منه بشكل أسرع.
2- الحاجات الفيزيولوجيّة: وهي الحاجات الأساسيّة مثل الأكل والشّرب والرّاحة والنّوم والتّدفئة والدّخول إلى الحمّام. إذا فُقدت إحداها من الطّبيعيّ أن يشعر عندها جسم الطّفل بالتّوتّر (الفزيولوجيّ). وبما أنّه لا يعرف أن يحلّل سبب توتّره، يقوم بنوبة غضب، فيرمي بنفسه على الأرض ويبدأ بالصّراخ من دون أن يبدي أيّ تفسير لأنّه لا يمتلك لا اللّغة ولا الكلمات المناسبة للتّعبير عن حاجاته هذه. لذلك أيّها الأهل، إنّ دوركم هنا يكمن في تعليم طفلكم أن يعبّر عن حاجاته الفيزيولوجيّة عن طريق الشّرح له بكلمات بسيطة أنّه غاضب لأنّه جائع جدًّا مثلاً.
من المهمّ أن يتفهّم الأهل في هذه الحالة الطّفل والقول له ماذا يشعر به من دون تأنيبه أو اللّجوء إلى مبادلة الغضب بالغضب أو بالعنف… بل من المهمّ الشّرح له لماذا هو غاضب، ومرافقته لتهدئة غضبه من خلال محاولة احتضانه، فغالبًا ما يساعد الاحتضان الجسديّ وبالتّالي العاطفة، على تهدئة انفعال الطّفل عبر إفراز هرمون الأوسيتوسين في الجسم، من ثمّ تلبية حاجته بالطّريقة المناسبة، وفي هذه الحالة تقديم الطّعام.
3- الحاجة إلى الحركة البدنيّة: إذ لكلّ طفل طاقة جسديّة بحاجة إلى إخراجها عبر الحركة والنّشاطات البدنيّة مثل القفز والرّكض والرّقص وغيرها من الحركات الّتي في بعض الأحيان تتحوّل إلى سلوكيّات غير لائقة أو غير مناسبة للمكان الّذي هو فيه (مثلاً خلال زيارة رسميّة أو في مطعم). وإذا كان الأهل غير قادرين على إعطاء الولد المساحة المناسبة كي يركض أو يقفز أو يقوم بنشاط في هذه الأماكن، يمكنهم عندها تحفيز قدراته الذّهنيّة، خاصّة لدى الأطفال من عمر 4 سنوات وما فوق، من خلال طرح أسئلة عليه تجعلة يفكّر أو يتخيّل: هل تظلّ أنّ سوبرمان كان هنا؟ أو سؤاله: أيّ حيوان تحبّ أكثر الهرّ أو الكلب؟ هل يمكنك أن ترسمه لي على ورقة؟ فيعطي الأهل الولد أقلام تلوين محفّزينه على رسم ما يشاء وتلوينه. كما يمكن إلهاؤه بنشاط يدويّ فيما ينتظر الطّعام، مثل اللّعب بسيّارته المفضّلة، أو بالمعجون… إنّ تحويل نشاط الطّفل من حركيّ إلى ذهنيّ أو يدويّ يتطلّب بالطّبع وقتًا وطاقة منكما يا أيّها الوالدين، ولكنّه يخدم عمليّة تجنّب نوبة الغضب عند ولدكما.
ولكن تنّبه إلى عدم إرهاقه لكي لا يتمّ التّعدّي على حاجته للرّاحة، فالطّفل المرهق يجتاحه التّوتّر فيغضب ولا يعلم كيف يعبّر عنه، فتكون النّتيجة صراخًا وبكاءً… لذا عليكما تفهّمه والتّفسير له أنّه متعب وبحاجة للرّاحة، وأكثر يجب مرافقته بصبر وحنان واحتضانه إذا سمح لكما بذلك.
إذًا، بإختصار إنّ هذه الحاجات الثّلاث مجتمعة هي أساسيّة وضروريّة لكلّ طفل، وعليكم كأهل قراءة العلامات الخاصّة بكلّ حاجة، والتّذكّر أنّ الأطفال الصّغار دون السّادسة لا يقتنون قواعد اللّغة للتّعبير السّليم، فيكون الغضب وسيلتهم الوحيدة، لذا الحلّ هو باستباق هذه النّوبات وتأمين حاجاتهم، فضلاً عن تلقينهم الطّرق السّليمة للتّعبير عنها بالقول أو بالفعل أو حتّى بالصّور. وتذكّروا أنّه بالتّمرين والتّكرار سيتعلمّ أطفالكم التّعامل مع نوبات غضبهم وانفعالاتهم، فلا تستسلموا!