يبحث الكثيرون عن طريقة للتّرفيه وتمضية أوقات فراغهم سواء عبر هواية ما أو التّنزّه مع الأصدقاء، أو حتّى من خلال تعلّم لعبة جديدة والّتي من الممكن اختيارها من قائمة الألعاب الإلكترونيّة. ومن بين تلك الألعاب هناك لعبة القمار الّتي راحت تنتشر شيئًا فشيئًا، حتّى أخذت مكانها بين الألعاب المتوفّرة على الإنترنت مشكّلة خطرًا مضاعفًا لأنّها متاحة للقاصرين أيضًا.
هدف هذه اللّعبة الرّئيسيّ التّسلية والتّرفيه، فتكون غالبًا نيّة الشّخص الرّئيسيّة صادقة وتكمن في تمضية الوقت مع الأصدقاء، إلّا أنّها تتحوّل رويدًا رويدًا، ومن دون أن يشعر، إلى خطر حيّ وإدمان قهريّ صعب التّخلّص منه بسهولة ويسلب منه كلّ منطق أثناء اللّعب، فيتركّز اهتمامه على الرّبح، ويضحي مبرمجًا بطريقة غير واعية، فيجوز تشبيهه بالإنسان الّذي يخور جوعًا وإذا به يجد أمامه صحنًا مليئًا بالمأكولات الطّيّبة والشّهّيّة فيأكلها مهما كانت حالته النّفسيّة: سواء أكان محبطًا أم فرحًا أم تعبًا أم غنيًّا أم مفلسًا… فتأسره إذًا اللّعبة محوّلة إيّاه إلى مدمن لدرجة الهوس وأسير لقواعدها، لماذا؟ لأنّه وببساطة تحوّل الهدف منها إلى ربح المال أو تعويض ما خسره، فبعد أن كانت هذه الأموال غير حقيقيّة أو عبارة عن نقاط يجمعها اللّاعبون، أضحى المال عنصرًا حقيقيًّا وضروريًّا للتّسلية، وبات أمر مقاومة إغراءاتها صعبًا.
وبحسب علم النّفس، فإنّ تصرّف المقامر يدلّ على أنّه يحاول الهروب من واقع حياته الصّعبة، أو من إحساس أو ألم ما، أو من مواجهة المسؤوليّات، فتراه يبحث عن الأمان العاطفيّ والنّفسيّ. لذلك يفضّل أن يبيع واقعه الرّاهن ليشتري ما يتخيّله مستقبلاً مضمونًا، فيهرب إلى عالم مليء بالأحلام والوعود الخياليّة من خلال لعبة القمار، عالم غير محفوف بالتّعب والكدّ للوصول إلى جمع المال أو نقاط معينة وتحقيق ربح معين.
وفي كلّ مرّة ينجح بذلك، تكبر أحلامه ويعاود اللّعب من أجل حلم أكبر. ولكن ما أن يخسر، يشعر بالتّهديد فيخاف من أن يستيقظ من هذا الحلم وأن يواجه يأسه وتعاسته.
كما يعكس هذا الأمر قلّة نضوج وقلّة مسؤوليّة هذه الفئة الرّاغبة بكلّ ما هو حلو وجيّد في هذه الحياة من دون أيّ تعب أو مجهود. وهو يدلّ على أنّ تلك الفئة لا تزال عالقة في مرحلة الطّفولة ورافضة لفكرة تحمّل المسؤوليّة كراشد تجاه نفسها وعائلتها ومحيطها.
كيف يتحوّل لعب القمار إلى إدمان قهريّ يسيطر على الإنسان؟
بحسب علم النّفس، يمرّ هذا الإنسان بثلاث مراحل أساسيّة:
أوّلاً:
مرحلة التّسلية، فخلالها يربح مبلغًا معيّنًا من المال، ويختبر إحساسًا قويًّا بالمتعة والقوّة والحماسة نتيجة إفرازه كميّة كبيرة من الهرمونات الّتي تتعلّق بهذه الأحاسيس، وهي شبيهة بتلك الّتي يفزرها الجسم عند تعاطي المخدّرات. وهذا الأمر يؤثّر بالتّالي على جسمه ودماغه فيجعله يلعب أكثر وأكثر بطريقة لا شعوريّة، ليختبر هذا الإحساس من جديد.
ثانيًا:
المرحلة نحو الإدمان، وهي المرحلة الّتي تتخلّلها خسارة من وقت لآخر، ما يدفعه إلى الاستمرار باللّعب والمراهنة لتعويض ما فقده من مال. وتبدأ في هذه المرحلة عمليّة الحلم بأمور تحقّق له الأمان والسّلام وحتّى لو كانت غير واقعيّة، وهذه الأحلام تساعده في تحدّي كلّ خسارة ويتعلّق بالتّالي بلعبة القمار، وتضحي عالمًا يهرب إليه من واقعه المرير.
ثالثًا:
مرحلة اللّا رجوع، فيتعلّق باللّعبة ويرفض التّوقّف، ويرفض الاعتراف بمشكلته مهما بلغت الأضرار وتكبّد من خسائر لا تُعوّض، فلذّة المغامر والإحساس بالخطر باتت تسري في دمه. في هذه المرحلة، يعاني المدمن من القلق والوحدة واليأس ويكون بحاجة لمساعدة من أجل الإقلاع عن الإدمان والعودة إلى حياة خالية من القمار.
والجدير بالذّكر أنّه وحتّى عند الخسارة يتابع الدّماغ فرز هذه الهرمونات، نتيجة تفعيله نظام المكافأة دافعًا المقامر إلى الرّغبة باللّعب من جديد حاملاً مشاعر الحماسة والتّوقّع والشّوق والانتظار، بالتّالي لا فقد إحساسه باللّذة مهما تكبّد من الخسائر.
إذًا ما هو الحلّ؟
الحلّ قبل أيّ شيء آخر يستدعي أن يستفيق المدمن من هذه الدّوّامة ويعترف بإدمانه الّذي تحوّل إلى مشكلة نفسيّة. فإن كان في حالة نكران للواقع ولم يقف وقفة صدق مع نفسه لن يستطيع أن يساعد نفسه. إذًا الأمر يتطلّب إرادة قويّة وبمساعدة المحيطين به ينجح في التّعافي.
العمليّة ليست بسهلة طبعًا، إنّها تتطلّب: التزامًا يوميًّا، نمط حياة جديد، فتح صفحة جديدة من دون تضييع الوقت في إلقاء اللّوم على الآخرين مبرّرًا تصرّفاته، المكافحة من الصّفر والبدء بعمل جديد يبدأ صغيرًا ويكبر شيئًا فشيئًا، فلا أحد يمكن أن يصل إلى القمّة بلمح البصر. كما عليه طلب السّماح من المقرّبين منه على الأذى الّذي سبّبه لهم، أو على الخسارة الّتي تكبّدوها نتيجة إدمانه.
وفي المقابل، على المجتمع أن يتقبّل هذا الإنسان ويحبّه ويحضنه ويسامحه حتّى يتحرّر من إدمانه ويكمل حياته.